الخطأ والخطيئة في قراءة الأزمة الفلسطينية
كتب:فهمي هويدي 12/8/2008
كتب:فهمي هويدي 12/8/2008
الخطأ ان نختزل الأزمة الفلسطينية في الصراع بين رام الله وغزة، والخطيئة أن نتجاهل مسؤوليتنا عما يجري وننفض أيدينا من الموضوع، ونتحول إلى مراقبين ومتفرجين.
(1)
طوال الاسبوع الماضي احتلت احداث مخيم الشجاعية في غزة عناوين وصدارة الصحف العربية، وتصدى للتعليق على ما جرى عدد غير قليل من الكتاب، الذين منهم من ارتدى ثياب الوعاظ والناصحين، ومنهم من اختار دور الشتامين والجلادين. وهؤلاء وهؤلاء لم يكونوا سوى اسرى الانفعال باللحظة التاريخية فحسب، وانما انطلقوا ايضا من وجهة نظر واحدة، قدمت لما جرى قراءة اما منقوصة او مغلوطة.
لقد حاولت خلال اسبوع الاحداث الاخيرة ان اتتبع ما حدث من مصادر خارج دائرة فتح وحماس، هي التي نبهتني إلى مدى التغليط والتحيز في نسبة كبيرة من المعلومات المتداولة في الاعلام العربي. هذه الاتصالات التي شلمت مصادر في عمان ودمشق وبيروت، وفرت لي قراءة مغايرة للاحداث الاخيرة في غزة اوجز معالمها فيما يلي:
ان ما حدث في مخيم الشجاعية يعد استكمالا لعملية الحسم التي وقعت في شهر يونيو من العام الماضي (2007)، وبالتالي فان من شأنه بسط سيطرة الحكومة المقالة على القطاع، ويطوي صفحة جيوب التمرد على السلطة. ذلك ان ما سمي بالمربع الامني في داخل المخيم تحول إلى مصدر لتحريك عوامل الفلتان، كما اصبح ماوى لاعداد من الهاربين من وجه العدالة.
ان ذلك »المربع الامني« يسيطر عليه ويديره جناح فتح في عائلة حلس، التي يتوزع افرادها على مختلف الفصائل الفلسطينية، خصوصا حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرها (150 من ابناء العائلة ضمن مقاتلي حماس، غير 20 شهيدا سقطوا في مواجهة الاحتلال)ـ وغير هؤلاء وهؤلاء فلم تخل العائلة من فرع اشتغل بالتهديد والبلطجة وفرض الاتاوات على الجيران.
ابرز الفتحاويين في العائلة هو احمد حلس، الذي اصبح قياديا في التنظيم، والذي كان قد رحب بالحسم الذي جرى في القطاع قبل اكثر من عام، ليس تعاطفا معه، ولكن لانه اطاح بخصمه اللدود محمد دحلان المسؤول عن الامن الوقائي. وبعد غياب الاخير عن المسرح، سعى احمد حلس إلى قيادة المعارضة الفتحاوية المسلحة، واصبحت المنطقة التي تقطنها اسرته في مخيم الشجاعية رمزا لتحدي السلطة.
الاجهزة الامنية في القطاع لم تكن بعيدة عن المربع الامني، ولكنها ظلت تتابع ما فيه، خلال العام الاخير بوجه اخص. وهناك تقارير رصدت السلاح الذي يكدس فيه والاموال التي يتلقاها. وهذه التقارير ارسلت إلى جهات في العالم العربي معنية بما يجري في غزة، وحذرت من ان استمرار ذلك الوضع قد يستدعي مواجهة اخرى يفضل تجنبها. لكن احدا من الوسطاء لم يتحرك الا بعد ان وقعت الفأس في الرأس.
(2)
حين تم تفجير سيارة على الشاطئ كانت تقل اربعة من قيادات كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس حدث امران اثارا الشكوك والارتياب. الامر الاول ان بيانا صدر عما سمي بكتائب العودة، تبنى العملية، في الوقت الذي احتفت بها بعض قيادات فتح في رام الله. فقد ظهر على التلفزيون سمير المشهراوي نائب دحلان في الامن الوقائي وقال انه تمنى ان يكون من بين ضحايا السيارة التي تم تفجيرها سعيد صيام وزير الداخلية في غزة واحمد الجعبري قائد كتائب القسام (استشهد اولاده الخمسة وزوج ابنته في عملية اسرائيلية)ـ وصرح نبيل ابو ردينة الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية بان حدوث تلك التفجيرات سيظل امرا طبيعيا طالما بقيت حماس في غزة. واذاع تلفزيون السلطة في رام الله اناشيد الثورة وفي خلفيتها صور تفجير الشاطئ، الامر الذي جاء دالا على ان رام الله في الصورة وليست بعيدة عنها.
الامر الثاني المهم ان تحريات سلطة القطاع دلت على ان المسؤولين او المشتبهين في حادث التفجير احتموا بمربع حلس الامني، فوجهت اليه رسالة طلبت تسليم 40 شخصا. وخضع الامر لتفاوض ادى إلى حصر المطلوبين في سبعة اشخاص، بعضهم من خارج العائلة. فوافق حلس على ان يسلم سبعة من غير المطلوبين. وحين احتدم الجدل حول الموضوع، اطلقت نيران من المربع الامني قتلت اثنين من جنود القوة التنفيذية التابعة للداخلية، وكانت تلك بداية المواجهة المسلحة، التي استمرت 9 ساعات، وانتهت باقتحام المكان واقتياد المطلوبين.
المعركة اسفرت عن قتل 7 اشخاص اربعة منهم من آل حلس، والجرحى تجاوز عدهم 150 شخصا، بعضهم اصيب اثناء الاشتباك، واغلبهم اصيبوا في اقدامهم بسبب اطلاق الاسرائيليين النار عليهم، لانهم اقتربوا اكثر من اللازم من الحدود الاسرائيلية. وحين اصيب احمد حلس، فان ابنا له اتصل باحد عناصر حركة الجهاد لاسعافه، وارسلت بالفعل سيارة اسعاف لنقله إلى مستشفى غزة، لكنه رفض نداء ابنه وفضل الاحتماء بالاسرائيليين.
اختم هذه النقطة بالتنبيه إلى مفارقة، خلاصتها ان صحفية اسرائيلية محترمة هي عميره هاس، لاحظت منذ وقت مبكر ان ثمة تحيزا في التغطية الاعلامية لما يجري في الارض المحتلة، يلح دائما على »شيطنة« ما يجري في غزة. وكتبت مقالا بعنوان »لماذا يتجاهلون القمع ضد حماس في الضفة؟« (هآرتس 19/9/2007)ـ عددت فيه قائمة طويلة من عمليات القمع والانتهاكات اليومية التي تحدث في الضفة، والتي يتجاهلها الاعلام لاسباب ليست بريئة بطبيعة الحال.
(3)
بين يدي شهادتان مهمتان في تشخيص الأزمة لاثنين من الشخصيات الوطنية الفلسطينية، النزيهة والمحايدة والاقرب تاريخيا إلى فتحـ هما الاستاذ بلال الحسن والدكتور سلمان ابو ستة. الاول نشرت له صحيفة »الشرق الاوسط« مقالا في 13/7/2008 تحت عنوان »ماذا يريد الرئيس محمود عباس«، والثاني نشرت له صحيفة »الحياة« اللندنية في 12/7 مقالا تحت عنوان: البحث عن مرجعية واحدة للشعب الفلسطيني. اهمية الشهادتين مستمدة من انهما مشغولتان باحتشاد الصف الوطني الفلسطيني وتعزيز قوته، لمواجهة العدو والتحدي الحقيقي المتمثل في الاحتلال الاسرائيلي.
في مقالته سجل بلال الحسن الملاحظات التالية:
ان الرئيس محمود عباس طرح مبادرة للحوار الفلسطيني ثم ارتد عليها. اذ استغرق اطلاق المبادرة بضع دقائق، ولكن الارتداد عليها استغرق اياما واسابيع. وكانت المبادرة مختصرة وموجزة، لكن الارتداد عليها تضمن اشتراطات واقتراحات اغرقتها في بحر الكلمات.
ان الرئيس الراحل ياسر عرفات منذ تسلم قيادة المنظمة في عام 1969 ظل شاغله الشاغل ان يضم اليه كل الوان الطيف الفلسطيني، في حين ان الرئيس ابو مازن يعد اول رئيس يرفض انضمام الناس اليه، بل ان الشروط التي يعلنها تعبر عن رغبة عميقة في التخلص من حركة حماس، واخراجها تماما من العملية السياسية.
فضلا عن ان ذلك مطلب يستحيل تحقيقه من الناحية العملية، فان نتيجته تؤدي إلى حدوث انقسام حاد في الساحة الفلسطينية، حيث ستتواجد منظمة التحرير ذات اللون الواحد في جانب، وحركة حماس ذات الشعبية الاكيدة في جانب آخر. بالتالي يفتقد الشارع الفلسطيني منظمة التحرير كاطار يضم الجميع، ويفتقد صفتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
انه اذا كانت هناك رغبة جادة لتحقيق الوحدة الوطنية وضمان شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني مع احترام المتغيرات التي طرأت على وضعه الداخلي، فيتعين على الرئيس ابو مازن الا يضع شروطا مسبقة للحوار الوطني، لانه رئيس الجميع مؤيدين ومعارضين. وللرئاسة مسؤوليات لا بد من تحملها ولو بمرارة.
المسألة المحورية في مقالة الدكتور سلمان ابو ستة، هي دعوته إلى توفير مرجعية واحدة للشعب الفسلطيني الذي يبلغ تعداده الان احد عشر مليون نسمة، %30 فقط منهم في الارض المحتلة، في حين ان %70 يعيشون خارج فلسطين، وصوتهم مغيب تماما في تقرير المصير الفلسطيني. ذلك ان نصف الشعب الفلسطيني ولد بعد اجتماع المجلس الوطني في الجزائر عام 1988.
ومنذ ذلك الحين تغيرت امور كثيرة في الواقع الفلسطيني، لم يكن لها اي تعبير او صدى في المجلس الوطني، الذي لم يجتمع منذ عشرين عاما، وطوال هذه المدة لم تتوقف المؤتمرات الممثلة لشرائح الشعب الفلسطيني عن المطالبة بتمثيلها في المجلس. ورغم الاتفاق في القاهرة عام 2005 بين كل الفصائل الجديدة والقديمة على آلية تنفذها اللجنة التحضيرية لانتخاب مجلس وطني جديد، الا ان هناك تسويفا متعمدا وعراقيل توضع امام العملية، لان هناك فئات ممن احتكرت القرار الفلسطيني حريصة على الا تدعى اللجنة التحضيرية، والا يشكل المجلس الوطني من جديد، بما يوفر مرجعية حقيقية للشعب الفلسطيني.
(4)
ثمة بعد يغيبه كثيرون ممن يوجهون إلى الفلسطينيين الوعظ والتقريع والتبكيت، يتمثل في تجاهل مسؤولية الوضع العربي عما يحدث في الارض المحتلة. ذلك ان الانهيار في الوضع الفلسطيني، هو انعكاس لانهيار النظام العربي، حتى ازعم ان خرائط العالم العربي تتوزع بدورها بين معسكرين احدهما مع المقاومة (غزة) والثاني مع التسوية السلمية (رام الله)ـ الانقسام هو الانقسام والتراشق قائم بين المعسكرين بدرجة او اخرى. وكما لا توجد مرجعية واحدة للفلسطينيين، كذلك لم تعد هناك مرجعية واحدة للعالم العربي، واذا كان البعض هناك يراهن على واشنطن دون غيرها، فعندنا ايضا من يراهن على واشنطن إلى ابعد مدى. الافدح والاخطر ان الرؤية الاستراتيجية في العالم العربي اصابها الخلل، حتى اصبحنا نسمع من بعض العواصم ان ايران هي العدو في حين يصرخ آخرون بان اسرائيل هي العدو.
ان العالم العربي عجز حتى الان عن رفع الحصار عن الفلسطينيين، وبعض دوله مشاركة فيه. وقرار وزراء الخارجية العرب في شهر يوليو 2007 بكسر الحصار تبخر بعد 24 ساعة من صدوره. كذلك فان العالم العربي فشل في اجراء مصالحة بين الفلسطينيين. وكل ما قيل في هذا الصدد كان كلاما لم يحقق نتائج ملموسة، علما بان الاتصالات بهذا الخصوص توقفت مؤخرا ولا ينتظر لها ان تستأنف قبل شهرين على الاقل.
ان ممارسة النقد الذاتي للوضع العربي هي المقدمة الطبيعية لتصحيح الوضع الفلسطيني، لاننا لا نستطيع ان نضمن عافية اطراف الجسم طالما ظل القلب عليلا او معطوبا.v
(1)
طوال الاسبوع الماضي احتلت احداث مخيم الشجاعية في غزة عناوين وصدارة الصحف العربية، وتصدى للتعليق على ما جرى عدد غير قليل من الكتاب، الذين منهم من ارتدى ثياب الوعاظ والناصحين، ومنهم من اختار دور الشتامين والجلادين. وهؤلاء وهؤلاء لم يكونوا سوى اسرى الانفعال باللحظة التاريخية فحسب، وانما انطلقوا ايضا من وجهة نظر واحدة، قدمت لما جرى قراءة اما منقوصة او مغلوطة.
لقد حاولت خلال اسبوع الاحداث الاخيرة ان اتتبع ما حدث من مصادر خارج دائرة فتح وحماس، هي التي نبهتني إلى مدى التغليط والتحيز في نسبة كبيرة من المعلومات المتداولة في الاعلام العربي. هذه الاتصالات التي شلمت مصادر في عمان ودمشق وبيروت، وفرت لي قراءة مغايرة للاحداث الاخيرة في غزة اوجز معالمها فيما يلي:
ان ما حدث في مخيم الشجاعية يعد استكمالا لعملية الحسم التي وقعت في شهر يونيو من العام الماضي (2007)، وبالتالي فان من شأنه بسط سيطرة الحكومة المقالة على القطاع، ويطوي صفحة جيوب التمرد على السلطة. ذلك ان ما سمي بالمربع الامني في داخل المخيم تحول إلى مصدر لتحريك عوامل الفلتان، كما اصبح ماوى لاعداد من الهاربين من وجه العدالة.
ان ذلك »المربع الامني« يسيطر عليه ويديره جناح فتح في عائلة حلس، التي يتوزع افرادها على مختلف الفصائل الفلسطينية، خصوصا حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرها (150 من ابناء العائلة ضمن مقاتلي حماس، غير 20 شهيدا سقطوا في مواجهة الاحتلال)ـ وغير هؤلاء وهؤلاء فلم تخل العائلة من فرع اشتغل بالتهديد والبلطجة وفرض الاتاوات على الجيران.
ابرز الفتحاويين في العائلة هو احمد حلس، الذي اصبح قياديا في التنظيم، والذي كان قد رحب بالحسم الذي جرى في القطاع قبل اكثر من عام، ليس تعاطفا معه، ولكن لانه اطاح بخصمه اللدود محمد دحلان المسؤول عن الامن الوقائي. وبعد غياب الاخير عن المسرح، سعى احمد حلس إلى قيادة المعارضة الفتحاوية المسلحة، واصبحت المنطقة التي تقطنها اسرته في مخيم الشجاعية رمزا لتحدي السلطة.
الاجهزة الامنية في القطاع لم تكن بعيدة عن المربع الامني، ولكنها ظلت تتابع ما فيه، خلال العام الاخير بوجه اخص. وهناك تقارير رصدت السلاح الذي يكدس فيه والاموال التي يتلقاها. وهذه التقارير ارسلت إلى جهات في العالم العربي معنية بما يجري في غزة، وحذرت من ان استمرار ذلك الوضع قد يستدعي مواجهة اخرى يفضل تجنبها. لكن احدا من الوسطاء لم يتحرك الا بعد ان وقعت الفأس في الرأس.
(2)
حين تم تفجير سيارة على الشاطئ كانت تقل اربعة من قيادات كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس حدث امران اثارا الشكوك والارتياب. الامر الاول ان بيانا صدر عما سمي بكتائب العودة، تبنى العملية، في الوقت الذي احتفت بها بعض قيادات فتح في رام الله. فقد ظهر على التلفزيون سمير المشهراوي نائب دحلان في الامن الوقائي وقال انه تمنى ان يكون من بين ضحايا السيارة التي تم تفجيرها سعيد صيام وزير الداخلية في غزة واحمد الجعبري قائد كتائب القسام (استشهد اولاده الخمسة وزوج ابنته في عملية اسرائيلية)ـ وصرح نبيل ابو ردينة الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية بان حدوث تلك التفجيرات سيظل امرا طبيعيا طالما بقيت حماس في غزة. واذاع تلفزيون السلطة في رام الله اناشيد الثورة وفي خلفيتها صور تفجير الشاطئ، الامر الذي جاء دالا على ان رام الله في الصورة وليست بعيدة عنها.
الامر الثاني المهم ان تحريات سلطة القطاع دلت على ان المسؤولين او المشتبهين في حادث التفجير احتموا بمربع حلس الامني، فوجهت اليه رسالة طلبت تسليم 40 شخصا. وخضع الامر لتفاوض ادى إلى حصر المطلوبين في سبعة اشخاص، بعضهم من خارج العائلة. فوافق حلس على ان يسلم سبعة من غير المطلوبين. وحين احتدم الجدل حول الموضوع، اطلقت نيران من المربع الامني قتلت اثنين من جنود القوة التنفيذية التابعة للداخلية، وكانت تلك بداية المواجهة المسلحة، التي استمرت 9 ساعات، وانتهت باقتحام المكان واقتياد المطلوبين.
المعركة اسفرت عن قتل 7 اشخاص اربعة منهم من آل حلس، والجرحى تجاوز عدهم 150 شخصا، بعضهم اصيب اثناء الاشتباك، واغلبهم اصيبوا في اقدامهم بسبب اطلاق الاسرائيليين النار عليهم، لانهم اقتربوا اكثر من اللازم من الحدود الاسرائيلية. وحين اصيب احمد حلس، فان ابنا له اتصل باحد عناصر حركة الجهاد لاسعافه، وارسلت بالفعل سيارة اسعاف لنقله إلى مستشفى غزة، لكنه رفض نداء ابنه وفضل الاحتماء بالاسرائيليين.
اختم هذه النقطة بالتنبيه إلى مفارقة، خلاصتها ان صحفية اسرائيلية محترمة هي عميره هاس، لاحظت منذ وقت مبكر ان ثمة تحيزا في التغطية الاعلامية لما يجري في الارض المحتلة، يلح دائما على »شيطنة« ما يجري في غزة. وكتبت مقالا بعنوان »لماذا يتجاهلون القمع ضد حماس في الضفة؟« (هآرتس 19/9/2007)ـ عددت فيه قائمة طويلة من عمليات القمع والانتهاكات اليومية التي تحدث في الضفة، والتي يتجاهلها الاعلام لاسباب ليست بريئة بطبيعة الحال.
(3)
بين يدي شهادتان مهمتان في تشخيص الأزمة لاثنين من الشخصيات الوطنية الفلسطينية، النزيهة والمحايدة والاقرب تاريخيا إلى فتحـ هما الاستاذ بلال الحسن والدكتور سلمان ابو ستة. الاول نشرت له صحيفة »الشرق الاوسط« مقالا في 13/7/2008 تحت عنوان »ماذا يريد الرئيس محمود عباس«، والثاني نشرت له صحيفة »الحياة« اللندنية في 12/7 مقالا تحت عنوان: البحث عن مرجعية واحدة للشعب الفلسطيني. اهمية الشهادتين مستمدة من انهما مشغولتان باحتشاد الصف الوطني الفلسطيني وتعزيز قوته، لمواجهة العدو والتحدي الحقيقي المتمثل في الاحتلال الاسرائيلي.
في مقالته سجل بلال الحسن الملاحظات التالية:
ان الرئيس محمود عباس طرح مبادرة للحوار الفلسطيني ثم ارتد عليها. اذ استغرق اطلاق المبادرة بضع دقائق، ولكن الارتداد عليها استغرق اياما واسابيع. وكانت المبادرة مختصرة وموجزة، لكن الارتداد عليها تضمن اشتراطات واقتراحات اغرقتها في بحر الكلمات.
ان الرئيس الراحل ياسر عرفات منذ تسلم قيادة المنظمة في عام 1969 ظل شاغله الشاغل ان يضم اليه كل الوان الطيف الفلسطيني، في حين ان الرئيس ابو مازن يعد اول رئيس يرفض انضمام الناس اليه، بل ان الشروط التي يعلنها تعبر عن رغبة عميقة في التخلص من حركة حماس، واخراجها تماما من العملية السياسية.
فضلا عن ان ذلك مطلب يستحيل تحقيقه من الناحية العملية، فان نتيجته تؤدي إلى حدوث انقسام حاد في الساحة الفلسطينية، حيث ستتواجد منظمة التحرير ذات اللون الواحد في جانب، وحركة حماس ذات الشعبية الاكيدة في جانب آخر. بالتالي يفتقد الشارع الفلسطيني منظمة التحرير كاطار يضم الجميع، ويفتقد صفتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
انه اذا كانت هناك رغبة جادة لتحقيق الوحدة الوطنية وضمان شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني مع احترام المتغيرات التي طرأت على وضعه الداخلي، فيتعين على الرئيس ابو مازن الا يضع شروطا مسبقة للحوار الوطني، لانه رئيس الجميع مؤيدين ومعارضين. وللرئاسة مسؤوليات لا بد من تحملها ولو بمرارة.
المسألة المحورية في مقالة الدكتور سلمان ابو ستة، هي دعوته إلى توفير مرجعية واحدة للشعب الفسلطيني الذي يبلغ تعداده الان احد عشر مليون نسمة، %30 فقط منهم في الارض المحتلة، في حين ان %70 يعيشون خارج فلسطين، وصوتهم مغيب تماما في تقرير المصير الفلسطيني. ذلك ان نصف الشعب الفلسطيني ولد بعد اجتماع المجلس الوطني في الجزائر عام 1988.
ومنذ ذلك الحين تغيرت امور كثيرة في الواقع الفلسطيني، لم يكن لها اي تعبير او صدى في المجلس الوطني، الذي لم يجتمع منذ عشرين عاما، وطوال هذه المدة لم تتوقف المؤتمرات الممثلة لشرائح الشعب الفلسطيني عن المطالبة بتمثيلها في المجلس. ورغم الاتفاق في القاهرة عام 2005 بين كل الفصائل الجديدة والقديمة على آلية تنفذها اللجنة التحضيرية لانتخاب مجلس وطني جديد، الا ان هناك تسويفا متعمدا وعراقيل توضع امام العملية، لان هناك فئات ممن احتكرت القرار الفلسطيني حريصة على الا تدعى اللجنة التحضيرية، والا يشكل المجلس الوطني من جديد، بما يوفر مرجعية حقيقية للشعب الفلسطيني.
(4)
ثمة بعد يغيبه كثيرون ممن يوجهون إلى الفلسطينيين الوعظ والتقريع والتبكيت، يتمثل في تجاهل مسؤولية الوضع العربي عما يحدث في الارض المحتلة. ذلك ان الانهيار في الوضع الفلسطيني، هو انعكاس لانهيار النظام العربي، حتى ازعم ان خرائط العالم العربي تتوزع بدورها بين معسكرين احدهما مع المقاومة (غزة) والثاني مع التسوية السلمية (رام الله)ـ الانقسام هو الانقسام والتراشق قائم بين المعسكرين بدرجة او اخرى. وكما لا توجد مرجعية واحدة للفلسطينيين، كذلك لم تعد هناك مرجعية واحدة للعالم العربي، واذا كان البعض هناك يراهن على واشنطن دون غيرها، فعندنا ايضا من يراهن على واشنطن إلى ابعد مدى. الافدح والاخطر ان الرؤية الاستراتيجية في العالم العربي اصابها الخلل، حتى اصبحنا نسمع من بعض العواصم ان ايران هي العدو في حين يصرخ آخرون بان اسرائيل هي العدو.
ان العالم العربي عجز حتى الان عن رفع الحصار عن الفلسطينيين، وبعض دوله مشاركة فيه. وقرار وزراء الخارجية العرب في شهر يوليو 2007 بكسر الحصار تبخر بعد 24 ساعة من صدوره. كذلك فان العالم العربي فشل في اجراء مصالحة بين الفلسطينيين. وكل ما قيل في هذا الصدد كان كلاما لم يحقق نتائج ملموسة، علما بان الاتصالات بهذا الخصوص توقفت مؤخرا ولا ينتظر لها ان تستأنف قبل شهرين على الاقل.
ان ممارسة النقد الذاتي للوضع العربي هي المقدمة الطبيعية لتصحيح الوضع الفلسطيني، لاننا لا نستطيع ان نضمن عافية اطراف الجسم طالما ظل القلب عليلا او معطوبا.v
هناك تعليقان (٢):
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال رائع بكل صراحة
قراته يوم تم نشره في الأهرام .
ومجرد ان ينشر مثل هذا المقال في الأهرام فهذا وحده أمر يدعو إلى التفاؤل .
جزاكم الله خيرا
آمين وإياكم
إرسال تعليق